الأكاديمي بين الطموح والواقع: تحديات التقدير والتمكين المؤسسي

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on pinterest
Share on tumblr
Share on telegram
Share on whatsapp
اليمن  
بقلم  : د. عبد القوي ابراهيم الاحمدي .

 

استشاري تطوير اقتصاديات المعرفة التنافسية
إن رحلة السعي نحو المعرفة والتفوق الأكاديمي ليست مجرد مسيرة تعليمية، بل هي استثمار طويل الأمد في بناء القدرات، وتعزيز الفكر النقدي، والمساهمة في تنمية المجتمعات. ومع ذلك، يجد كثير من الأكاديميين أنفسهم، بعد عقود من الجهد والتضحية، في واقع لا يعكس بأي شكل من الأشكال قيمة العلم والمعرفة، بل على العكس، يصطدمون ببيئة إدارية غير منصفة، لا تعترف بجهودهم، ولا تمنحهم حقوقهم المستحقة، بل تعيق دورهم في التنمية المجتمعية.

الاستثمار في العلم: رحلة من التضحيات

أن يقضي الإنسان أربعين عامًا من حياته في الدراسة والبحث العلمي، متخليًا عن فرص اقتصادية واجتماعية قد تكون أكثر استقرارًا وربحية، هو خيار يتطلب عزيمة وإيمانًا عميقًا بقيمة التعليم. فالطموح للوصول إلى أعلى الشهادات الأكاديمية ليس مجرد هدف شخصي، بل هو التزام أخلاقي تجاه المجتمع، حيث يسعى الأكاديمي إلى توظيف معرفته في خدمة بلده وأهله، والمساهمة في تحسين النظام التعليمي، وتطوير البحث العلمي، وتعزيز الوعي المجتمعي .

لكن هذه الرحلة المليئة بالتضحيات تصطدم بواقع مرير، حيث لا يجد الأكاديمي التقدير الذي يتناسب مع جهوده، بل يواجه تهميشًا، وإهمالًا مؤسسيًا، وعدم تمكين في أبسط حقوقه، سواء من الناحية المادية أو المعنوية .

غياب العدالة في التعامل: بين المؤسسات التعليمية والإدارية

أحد أكثر المظاهر إيلامًا في هذا الواقع هو أن يكون الأكاديمي، الذي يُفترض أن يكون رمزًا للعلم والاحترام، عرضة للتهميش والإقصاء في بيئات من المفترض أنها قائمة على مبادئ الإنصاف والعدالة. عندما يُمنع الأكاديمي من الحصول على مستحقاته المالية المستحقة في وقتها، بينما يتم تمكين موظفين أقل خبرة وتأهيلًا من التحكم في مصيره الوظيفي من خلال المماطلة والتسويف، فإننا أمام خلل جوهري في المنظومة الإدارية .

الأمر لا يقتصر على المجال الجامعي فقط، بل يمتد ليشمل المدارس التي يُفترض أن تكون مؤسسات تعليمية قائمة على مبادئ التربية والمرونة، لا على المعايير المالية الجافة. فعندما يُمنع أبناء الأكاديميين من حقهم في التعليم بسبب تأخير بسيط في دفع الرسوم، دون مراعاة لأي ظروف إنسانية أو تقدير لمكانة الأسرة العلمية، فإن ذلك يعكس أزمة أخلاقية قبل أن تكون إدارية .

الإدارة الأكاديمية: بين القيادة الحقيقية والممارسات الإقصائية

الإدارة الناجحة في المؤسسات التعليمية لا تُقاس فقط بمدى قدرتها على تطبيق اللوائح، بل بمدى احترامها للكفاءات وتحفيزها للتميز. ومع ذلك، نجد في بعض البيئات التعليمية أن الإدارة تتحول إلى وسيلة للسيطرة والتحكم، بدلًا من أن تكون محفزًا للإبداع والعطاء. عندما يُمارس المديرون سلطاتهم بطريقة استبدادية ، ويستخدمون نفوذهم لإهانة الأكاديميين أو التقليل من شأنهم، بدلاً من دعمهم وتمكينهم، فإن ذلك مؤشر خطير على غياب القيادة الحقيقية .
القيادة التربوية لا تعني فقط إدارة الموارد، بل تتطلب امتلاك رؤية تستوعب أهمية العنصر البشري، وتعترف بالجهود المبذولة، وتكافئ الاستحقاق بدلاً من ترسيخ ثقافة التبعية والمحسوبية .

البيئة الأكاديمية بين القيم المؤسسية ومنطق السوق

الجامعات والمدارس ليست مجرد منشآت تقدم خدمات تعليمية، بل هي مؤسسات يفترض أن تكون حاضنة للعلم والمعرفة والأخلاق. ومع ذلك، نجد أن كثيرًا من الممارسات داخل هذه المؤسسات أصبحت أقرب إلى بيئات السوق المفتوحة، حيث تتحكم المصالح الفردية والعلاقات الشخصية في مسار الأمور أكثر من الكفاءة والجدارة .

ما يثير القلق هو أن هذه البيئة لا تؤثر فقط على الأكاديميين، بل تمتد آثارها إلى الطلاب أيضًا، حيث يتعلمون من هذه النماذج الإدارية أن النجاح ليس بالضرورة مرتبطًا بالعمل الجاد والإنجاز، بل قد يكون محكومًا بالقدرة على المناورة والتملق والتكيف مع ديناميكيات غير عادلة .

نحو إصلاح حقيقي: استعادة القيم الأكاديمية

إصلاح هذا الواقع لا يمكن أن يتم من خلال قرارات إدارية جزئية، بل يحتاج إلى تغيير شامل في الثقافة المؤسسية داخل الجامعات والمدارس. هناك عدة خطوات ضرورية لتحقيق ذلك :

إعادة الاعتبار للأكاديميين: يجب أن يكون للأكاديميين دور فاعل في عملية اتخاذ القرار داخل المؤسسات التعليمية، مع ضمان حقوقهم المادية والمعنوية دون الحاجة إلى استجداء أو مماطلة .

تعزيز ثقافة الاحترام داخل المؤسسات: لا يمكن لمؤسسة تعليمية أن تزدهر إذا كانت إدارتها قائمة على التسلط والممارسات الإقصائية. يجب أن تكون هناك سياسات واضحة تضمن الاحترام المتبادل بين جميع المستويات الإدارية والأكاديمية .

إصلاح الأنظمة المالية والإدارية: يجب أن تكون هناك آليات شفافة لصرف المستحقات المالية، بحيث يتم التعامل مع الأكاديميين بإنصاف دون تدخلات شخصية أو مزاجية .

تعزيز مفهوم القيادة التربوية: يحتاج القادة التربويون إلى تدريب على أسس القيادة الفاعلة التي تجمع بين الكفاءة والعدالة والقدرة على تحفيز الكوادر الأكاديمية بدلاً من استغلال سلطاتهم في فرض الهيمنة .

الفصل بين التعليم والتجارية المفرطة: يجب إعادة النظر في طبيعة المؤسسات التعليمية بحيث لا تتحول إلى مشاريع ربحية على حساب رسالتها الأساسية في نشر العلم والمعرفة .

ختامًا : مستقبل الأكاديميين بين الإحباط والأمل

رغم التحديات الجسيمة، لا يزال هناك أمل في بناء بيئة أكاديمية تحترم العلم وتقدّر الجهود وتكافئ الاستحقاق. هذا لن يتحقق إلا إذا كان هناك وعي حقيقي بأهمية إصلاح المؤسسات التعليمية، وضمان أن تكون فضاءً يحترم الأكاديميين، ويعزز روح العدالة والإنصاف، ويخلق بيئة تعليمية قائمة على القيم الأخلاقية والعلمية، لا على منطق السوق والعلاقات النفعية.

العلماء والأكاديميون هم ثروة الأكاديمي بين الطموح والواقع: تحديات التقدير والتمكين المؤسسي وإذا لم يُمنحوا المكانة التي يستحقونها، فإن ذلك ليس فقط ظلمًا لهم، بل خسارة فادحة للوطن والمجتمع بأسره .

قد يعجبك أيضًأ

Open chat
1
Scan the code
تواصل معنا