✍🏻 أحمد محمد حامد
رغم أهمية مراكز الحقن المجهرى، ونبل مقصدها فى تحقيق أحلام المشتاقين إلى الأمومة والأبوة، لكنها باتت الآن ترتكب العديد من المخالفات التى يجب تسليط الضوء عليها وتشديد الرقابة وإصدار قوانين تجرم فعل هذه المصائب على تلك المراكز للتأكد من عملها بشكل قانونى، بعد أن أضحت مركزا للجرائم وبيع الأجنة، وبيع البويضات للسيدات، وأيضًا يعمل بها خريجو كليات العلوم كأطباء نساء
“مروة”، من سكان منطقة الخانكة، عاشت 15 عامًا محرومة من الأمومة، ورغم المحاولات المتكررة وزيارة الأطباء، إلا أن الأمر بدا مستحيلًا، ولكن عاد الأمل من جديد حينما وجدت أن الحل في عمليات التلقيح الصناعي، وزفّت الخبر إلى زوجها بأن لديهما فرصة ذهبية للحصول على لقب “بابا وماما”، ولم يتأخر الزوج في تجربة هذه العملية علّها تكون السبب في المعجزة الإلهية.
ظل الزوجان يسألان عن أفضل مركز ليقوما بتلك التجربة، واستقرا في النهاية على مركز “د.ف” لأنه الأنسب بالنسبة لمقدرتهما المالية، وبعد فترة من الإجراءات والفحوصات الطبية التي طلبها الأطباء هناك، حانت لحظة التلقيح وانتظار النتيحة، وبعد مدة شعرت الزوجة بأعراض الحمل، وعندما تأكدت لم تسعها الدنيا من الفرحة، وركضت نحو زوجها لتزف إليه الخبر السعيد، وبعد 9 أشهر زُينت دنياهم بطفلة جميلة كانت بمثابة الدنيا وما فيها
تقرير من المركز يثبت وجود أنبوب به 3 أجنة
ولكن دعونا نعود إلى إجراءات المركز الطبي مرة أخرى، فبعد نجاح عملية التلقيح الصناعي، أخبر المركز الزوج أن الملف الطبي لحالتهما يثبت وجود 6 أجنة، وكل 3 منها محفوظة في أنبوب، والبقية في أنبوب آخر يتم حفظه في المركز، فيكون لهم الحق في إجراء عملية تلقيح أخرى والمطالبة بتلك الأجنة لزرعها، على أن يقوم الزوج بدفع مبلغ سنوي نظير حفظ هذه الأجنة، وتم ذلك في 29 ديسمبر 2020، وحصلت “مصر والشرق ” على نسخة من الإيصالات.
وفي 11 ديسمبر 2021، تواصل المركز مع الأسرة لتذكيرهم بموعد التجديد السنوي لتخزين الأجنة، ولكن تم كتابة تقرير طبي أنه أثناء إجراء عملية التلقيح الأولى للزوجة فإن إحدى الأنبوبتين تلفت، وبناء عليه تم تلقيحها بالأنبوب الآخر، وبالتالي لم يعد لها أي عينات محفوظة في المركز، وذلك رغم تأكيد الطبيب المعالج أن هذه القصة غير صحيحة، وأن المركز طالبهم بعد العملية الأولى بسنة بدفع الاشتراك السنوي لتخزين الأجنة، وبناء عليه هناك تضارب في التقارير الطبية لتلك الحالة، فهي تملك تقريرًا طبيًا يؤكد أن لها 3 أجنة مخزنة في المركز، والمركز أثبت في تقاريره أن تلك الحالة ليست لها أي أجنة.
استشاري تخدير يفجر قضية تبادل الأجنة
القضية فجرها الدكتور جندي جرجس جندي، استشاري تخدير، عمل لدى هذا المركز لما يقرب من 25 عامًا، وهو الذي أثبت لأسرة “مروة” أن الأجنة التي ادعى المركز أن تلفت أثناء العملية الأولى غير صحيح، وأن تلك الأجنة حصلت عليها أسرة أخرى في محافظة الشرقية لصالح السيدة “مهجة”، اسم مستعار، والتي اعتقدنا أن حالتها مشابهة لأسرة الخانكة، من حيث الحرمان من الأطفال لفترة طويلة من الزمن، وأنهم يتشبثون بالطفل لهذا السبب، إلا أن المفاجأة أن لديهم 3 أطفال غير هذا الطفل صاحب القضية، طفلين عن طريق الحقن المجهري وطفل جاء بطريقة طبيعية، لذا جُن جنون “مروة” وخرجت وزوجها إلى المركز مطالبين بابنهما الذي ولد في رحم امرأة أخرى، وقد وصل الآن إلى سن العامين.
“أخبار مصر والشرق ” تواصلت مع الدكتور جندي، الذي أكد أنه تواصل مع عدد من العاملين بالمركز للتأكد من صحة الواقعة، وبالفعل أكدوا له الأمر، لكن طلبوا منه عدم إدراج أسمائهم في أي تصرف سيقوم به، ولكن نصحوه بالبحث عن “مهجة” التي تم محو أي وسيلة تواصل معها وحتى عنوانها، وهو الأمر الذي تم محوه أيضًا بالنسبة لملف “مروة”، فمن المفترض أن أي مريض يتم تسجيله في الملفات الإلكترونية الخاصة بالمركز يجب كتابة عنوانه ورقم هاتف للتواصل معه للمتابعات الطبية التالية
تفاصيل تلقيح “مهجة” بأنبوب “مروة”
وفجر “جندي” مفاجأة أخرى، هي أن “مهجة” كان لديها في المركز 11 جنينا، تم توزيع 3 أجنة في أنبوب، و4 أجنة في أنبوب آخر، و4 أجنة في أنبوب ثالث، وخضعت “مهجة” لعملية التلقيح الصناعي ورُزقت بطفلة أيضًا، وبعد فترة حضرت للمركز مرة أخرى لإجراء عملية التلقيح مرة أخرى، والتي من المفترض أن يكون لها الحق في التلقيح من خلال إحدى الأنبوبتين التي تحمل كل منهما 4 أجنة، لكن المفاجأة أن التلقيح تم من خلال الأنبوب الذي يحمل 3 أجنة، والتي في الأصل تعود لـ”مروة”.
وأكد الطبيب أن لديه الملفات الطبية قبل التعديل وبعده، وحصلت “أخبار مصر والشرق ” على نسخة منها، وأنه تواصل مع أسرة الشرقية ليخبرهم بما توصل إليه بالأدلة، إلا أنه فوجئ أن الأسرة تعلم بالفعل أن هذا الطفل ليس لهم، وأن لديه اعترافات تلك الأسرة مسجلة من خلال رسائل “الواتساب”، مشيرًا إلى أنه افترض حسن النية أنه لم يكن لديهم علم بالأمر، فأرسل جوابًا من مجهول بعلم الوصول إلى الشرقية، وكان ردهم هو الذهاب إلى المركز يوم 13 مارس الماضي، وإخبار صاحب المركز عن الجواب، فكان الرد هو أن الجواب من طبيب كان يعمل في المركز وليس له أي صفة للتحرك في هذه القضية فلم يقع عليه أي ضرر ليُعتد بكلامه
الطبيب يتخذ إجراءات قانونية ضد المركز
ولم يهدأ بالًا للطبيب، فأرسل إنذار على يد مُحضر لأسرة الشرقية، وآخر لصاحب المركز، وفيه أنه تم الاتفاق بين الأسرة والمركز لسرقة الأجنة، وكان الرد أن صاحب المركز وضع الإنذار في مكتبه وقال “الله يسامحك” -بحسب وصف الطبيب، فتقدم الطبيب بشكوى إلى النائب العام يتههم المركز بالمتاجرة في الأجنة، فلم يكن هناك أي رد فعل من صاحب المركز أيضًا، وأوصل رسالة مع زملائه من المركز أنه غير مهتم بما يقوم به “جندي” وليفعل ما يريد.
المركز يخالف اشتراطات كتابة التقرير الطبي
ولفت إلى أن أي تقرير طبي يجب أن يُكتب فيه اسم المريض رباعي وبشكل واضح، لكن الغريب في ملفات “مروة” و”مهجة” أن الأسماء مكتوبة باللغة الإنجليزية وهناك رموز داخل الأسماء، والذي من خلاله يمكن أن تظهر حجة أن هناك خطأ إداري في تسجيل الاسم، وذلك في حالة اكتشاف هذه الكارثة التي يقومون بها، مؤكدًا أن تلك الطريقة لا تستخدم إلا في حالات تبادل الأجنة كما حدث في قضيتنا.
وتحدث أنه قانونيًا لا بد أن يكون للمريض ملف ورقي، بحيث عندما يكتب الطبيب تقرير عنه أن أنبوبة تلك المريضة حدث بها تلف ما عليه الإمضاء على هذا الأمر، وأنه إذا تم زراعة الأنبوب فإنه أيضًا يكتب ذلك وتكون إمضاءه على ذلك أيضًا، لكن ما يحدث في المركز أن الملفات الورقية يتم إخفائها تمامًا ولا يتم التعامل إلا بالملفات الإلكترونية، والتي تتيح لهم التعديل في أي شئ.
المركز يتلاعب بالأوراق لنفي الجريمة
عندما علم المركز بالبلاغات التي قدمها للنيابة وتقديمه الأوراق التي تثبت صحة كلامه، وأنه تم التلاعب بأوراق “مروة” ليصبح رصيدها من الأجنة في المركز صفر، أعاد التلاعب مرة أخرى ليثبت أن “مروة” لا زالت لديها أنبوب به 3 أجنة، وأن “مهجة” حصلت على الأنبوب الخاص بها الذي يحمل 4 أجنة لا 3 أجنة، فكان رده على النيابة أنه يمكنهم الرجوع لجهة مكافحة التهرب الضريبي التي فاجئت المركز بزيارتها في إبريل الماضي، والتي حصلت على نسخة من ملفات المركز منذ 2013 وحتى 2023، والإدارة المركزية للتحريات والضبط ومكافحة التهرب الضريبي لديها الآن الملفات الأصلية للأسرتين، والتي ستكون الحد الفاصل بين رواية الطبيب ورواية المركز.
وأكد أن هناك دليل آخر يمكن الفصل من خلاله في القضية هو يتم عمل تحليل “دي إن ايه” في الطب الشرعي للطفل المتنازع عليه -الذي هو الآن مع أسرة الشرقية- والأكثر غرابة أن محاميّ المركز وأسرة الشرقية يحاولون جاهدين لإثناء النياية عن القيام بهذا التحليل في الطب الشرعي.
مخالفة المركز لاشتراطات إدارة معامل الأجنة
وشرح أن المسئول عن تسجيل بيانات العينة من المفترض أن يكون مدير فني طبيب خريج كلية الطب، يكون مسئول عن طريقة تخزين الأجنة والتمييز بينها وبين بعضها، ويعمل معه مجموعة من خريجي كلية العلوم يطلق اسم فني معمل أو أخصائي علم الأجنة، وطريقة الحفظ تكون من خلال أكواد، لكن هذا لا يتم في المركز، وذلك لأن مديرة المعمل هي ابنة صاحب المركز وهي خريجة علوم وليست طبيبة بشرية، والمسئول عن زرع الأجنة في قضيتنا هو زوجها طبيب النساء والتوليد، والمسؤول عن التعديل واللعب في الملفات هو والدها والمدير الفني للمركز.
أوراق القضية تُحال إلى نيابة شرق القاهرة الكلية
وأكد أنه تقدم بالبلاغات منذ عام من خلال عرائض إلكترونية -حصلت “أخبار مصر والشرق ” على نسخة منها- والتي كانت تحفظ لعدم وجود صفة ولم يقع عليه الضرر، إلى أن نجح في الحصول على موافقة من المحامي العام الأول على سحب بلاغاته من الحفظ وإعادة التحقيق في الواقعة، في 2 نوفمبر الماضي، وهكذا صدر أول بلاغ في نيابة النزهة الجزئية ضد هذا المركز، كما تقدمت أسرة الخانكة ببلاغ أيضًا في نيابة النزهة الجزئية، وبناء عليه أمر المحامي العام بأن تقدم له هذين البلاغين في نيابة شرق القاهرة الكلية، فتقدمت أسرة الخانكة ببلاغ للمحامي العام شخصيًا، في 2 أكتوبر الماضي، وظل تحت الفحص والعرض لمدة تزيد عن شهر، إلى أن استدعته نيابة النزهة الجزئية لأخذ أقواله، بعدها بأسبوع قام المحامي العام حول بلاغ أسرة الخانكة وضمه لقضيته، فأصبحنا في قضية واحدة برقم قضائي واحد هو 5386 لسنة 2023 إداري النزهة.
وكانت خروج مديرة الموارد البشرية السابقة للمركز وإعلان شهادتها بأن ملابسات تلك القضية صحيحة، وتسجيل تلك الشهادة في الشهر العقاري برقم 2040، وأيضًا الإدلاء بشهادتها في النيابة العامة، في 22 نوفمبر 2023م،وحصلت الدستور على نسخة من شهادتها، والتي أقرت فيها بأنها كانت تعمل بالمركز كمدير للموارد البشرية لمدة 14 عامًا، وقد تم إبلاغها بواسطة السكرتيرة بحدوث تبادل في نقل الأجنة بين أسرتين مختلفي الأديان، وتم إعطاء جزاء إداري أكثر من مرة إلى موظف اسمه “م.ط” (فني كهرباء) يعمل بالمركز المذكور رئيس تمريض ومشرف عام المركز، لكتابة أسماء الرجال أصحاب عينات السائل المنوى بالخطأ، وتم إبلاغها بحدوث أخذ أجنة من أسرة ونقلها إلى أسرة أخرى لا تنتمي لهذه الأجنة بأي صلة، وبناء عليه تركت العمل بالمركز في 20 أغسطس 2022م، نظرًا لما حدث من تجاوزات، لكنها لم تؤكد إذا كان ما تم عن عمد أم أنه إهمال طبى متكرر أو خطأ طبي.
كيف تعمل مراكز الأطفال بالأنابيب؟
يذكر أن مراكز الأطفال بالأنابيب في مصر أنها تعمل وفق نظام متفق عليه يحترم الأخلاقيات المهنية ومواصفات وشروط الأزهر والكنيسة القبطية، ويشترط النظام وجود الزوجين وقانونية علاقتهما أثناء إجراءات التلقيح الاصطناعي، بالإضافة إلى عقود رسمية بين المراكز والزوجين تحدد التفاصيل، وتخضع هذه العقود لرقابة إدارة الطب العلاجي بوزارة الصحة ونقابة الأطباء.
ومن اشتراطات تلك المراكز، أن يكون العاملون في فريق العلاج لا بد أن يكونوا من الأطباء الحاصلين على بكالوريوس الطب والجراحة على الأقل مع خبرة لا تقل عن 3 سنوات في أحد مجالات أمراض النساء والتقاط البويضات أو طب وجراحة أمراض الذكورة ومعالجة السائل المنوى، بالإضافة لاشتراطات متعلقة بالمعدات والأجهزة للتعقيم وغيرها والثلاجات لحفظ الأجنة والحيوانات المنوية، وشروط معمل الأجنة ومعمل التلقيح طبقا للاشترطات الدولية وغرفة للعمليات ومعمل للتحاليل.
ويُلزم النظام المراكز بالاحتفاظ بسجلات طبية وقانونية لكل حالة، لضمان سلامة الأنساب واتخاذ التدابير اللازمة بحسب الأصول.