استشاري تطوير اقتصاديات المعرفة التنافسية.. اليمن .
ان امتلاك أمريكا لغزة وتهجير أهلها قسرا تبدو فكرة تصف غاية أمريكا ووسيلتها في تحقيق وسيلتها معا … حيث أن غاية أمريكا تتمثل في امتلاكها لغزة لعدة دوافع ولتحقيق عدة منافع اقتصادية لأمريكا ، ووسيلتها لتحقيق ذلك هو التهديد بتهجير سكان غزة قسرا
فهذا التهديد سيمهد للتفاوض بين أمريكا والفاعلين في الشرق الاوسط من أجل التراجع عن التهجير القسري مقابل تمكين أمريكا من التملك الفعلي طويل الأمد كمستثمر …
وفي هذا المقال سنتناول في المحور الاول منه كل من الاطر القانونية والتاريخية والسياسية والواقعية ذات الصلة بالفكرة ثم نتناول السيناريوهات المحتملة لتنفيذها حرفيا كواقع على الارض . وفي المحور الثاني سنتناول سيناريو امتلاك أمريكا لغزة من خلال تحويل غزة إلى منطقة تجارة دولية مشتركة .
المحور الاول : تنفيذ الفكرة حرفيا …
أولًا: الإطار القانوني الدولي والتاريخي
1. مبدأ السيادة وتقرير المصير
القانون الدولي يعتبر السيادة الوطنية وحق تقرير المصير من الحقوق الأساسية لكل الشعوب، وهذا مبدأ أساسي في ميثاق الأمم المتحدة .
المادة 1 (2) من ميثاق الأمم المتحدة :
“إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالمساواة في الحقوق بين الشعوب وحقها في تقرير مصيرها “.
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 (1960) يؤكد على :
“إنهاء جميع أشكال الاستعمار، وحق الشعوب الخاضعة للهيمنة الأجنبية في الاستقلال “.
الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول ناميبيا (1971) :
أكدت المحكمة أن أي احتلال أو ضم أرض دون إرادة سكانها باطل قانونيًا .
التطبيق على حالة غزة :
الشعب الفلسطيني يمتلك الحق القانوني والتاريخي في الأرض .
لا تستطيع أي دولة، بما فيها أمريكا، إلغاء هذا الحق أو فرض سيادتها على غزة .
أي محاولة لفرض سيطرة خارجية تتعارض مع القانون الدولي، وستواجه مقاطعة دبلوماسية وعقوبات محتملة.
2. اتفاقية جنيف الرابعة (1949) – حماية السكان تحت الاحتلال
هذه الاتفاقية تحدد كيفية معاملة المدنيين في الأراضي المحتلة وتحظر النقل القسري للسكان .
المادة 49: تحظر نقل السكان قسرًا من أراضيهم .
المادة 47: تمنع دولة الاحتلال من تغيير التركيبة السكانية أو الوضع القانوني للأراضي المحتلة.
المادة 53: تحظر تدمير ممتلكات المدنيين أو إجبارهم على المغادرة .
التطبيق على غزة :
غزة تعتبر أرضًا محتلة بموجب قرارات الأمم المتحدة، رغم انسحاب إسرائيل رسميًا منها في 2005 .
أي محاولة أمريكية أو إسرائيلية لإعادة احتلال غزة مخالفة صريحة لاتفاقية جنيف .
أي تهجير قسري للسكان الفلسطينيين يمكن أن يصنّف كـ جريمة حرب .
3. قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين
قرار مجلس الأمن 242 (1967) و338 (1973): يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة .
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194 (1948): يؤكد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم، ما يعني أن التهجير القسري الجديد سيكون جريمة مزدوجة.
قرار مجلس الأمن 2334 (2016): يؤكد أن جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وغزة غير شرعية .
التطبيق على غزة :
أي محاولة لفرض سيادة أمريكية أو تهجير السكان ستواجه إدانة دولية واسعة .
أي دولة تدعم مثل هذا التهجير ستواجه عقوبات محتملة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي .
ثانيًا: التحليل السياسي والواقعي
1. لماذا لا يمكن لأمريكا “امتلاك” غزة؟
أ. الواقع السكاني والديمغرافي
غزة ليست أرضًا فارغة، بل يسكنها أكثر من 2.3 مليون فلسطيني، ما يجعل أي مشروع تهجير كارثيًا من حيث التخطيط والتنفيذ .
أكثر من 75% من سكان غزة لاجئون من مناطق أخرى في فلسطين، مما يعني أن لديهم بالفعل تجربة مع التهجير القسري ولن يقبلوا به مرة أخرى .
ب. المقاومة الفلسطينية والتاريخ العسكري
جميع المحاولات السابقة لفرض سيطرة عسكرية أو سياسية على غزة فشلت بسبب المقاومة الشعبية والمسلحة .
إسرائيل نفسها اضطرت للانسحاب من غزة عام 2005 رغم احتلالها لها لعقود، بسبب الخسائر العسكرية الكبيرة والضغوط السياسية .
ج. التكاليف السياسية والاقتصادية لأي احتلال جديد
أي احتلال لغزة سيعني تكاليف اقتصادية هائلة، سواء من حيث العمليات العسكرية أو الإدارة أو إعادة الإعمار.
ستكون هناك مقاطعة دولية ضخمة، وقد تفرض الدول العربية والإسلامية عقوبات اقتصادية على أمريكا وإسرائيل إذا دعمتا مثل هذا المشروع .
2. لماذا سيكون تهجير سكان غزة مستحيلًا؟
أ. التهجير الجماعي = جريمة تطهير عرقيضؤ
المحكمة الجنائية الدولية تصنف التهجير القسري كـ جريمة ضد الإنسانية .
هناك سوابق تاريخية مثل محاكمة المسؤولين عن التطهير العرقي في يوغوسلافيا ورواندا، مما يعني أن أي سياسي يدعو لتهجير سكان غزة قد يواجه محاكمة دولية.
ب. رفض الدول العربية استقبال اللاجئين الفلسطينيين
مصر رفضت رسميًا أي خطة إسرائيلية أو أمريكية لترحيل سكان غزة إلى شمال سيناء .
الأردن ولبنان يعانيان بالفعل من وجود أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، ولن يقبلا بمزيد من اللاجئين.
ج. المخاطر الأمنية على الدول المستقبِلة
أي تهجير قسري للفلسطينيين سيخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني في الدول التي سيتم تهجيرهم إليها، مما يجعل الفكرة غير عملية وخطيرة للغاية .
ثالثًا: السيناريوهات المحتملة إذا حاولت أمريكا أو إسرائيل تنفيذ هذه الفكرة
1. السيناريو العسكري: مقاومة فلسطينية شاملة
من المتوقع أن تواجه أي محاولة تهجير مقاومة عنيفة من الفصائل الفلسطينية، ما سيؤدي إلى حرب طويلة الأمد .
قد يؤدي ذلك إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة في الضفة الغربية والقدس .
2. السيناريو السياسي
: إدانة وعقوبات دولية
الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، ومنظمات حقوق الإنسان ستعتبر التهجير جريمة حرب .
قد تواجه أمريكا ضغوطًا داخلية من الأحزاب المعارضة والجماعات الحقوقية لمنع أي دعم لهذه الخطة .
3. السيناريو الإقليمي: اضطرابات في الشرق الأوسط
أي محاولة تهجير جماعي ستؤدي إلى تصعيد إقليمي خطير، وقد تشعل حربًا أوسع في المنطقة .
قد تتدخل إيران وحزب الله عسكريًا ضد أي مشروع تهجير، مما يزيد من تعقيد الوضع .
المحور الثاني: تطبيق الفكرة بصورة غير مباشرة من خلال سيناريو تحويل غزة إلى منطقة تجارة دولية مشتركة
إذا تم اقتراح تحويل غزة إلى منطقة تجارة دولية مفتوحة كبديل عن الاحتلال أو السيطرة المباشرة، فإن هذا السيناريو يحمل أبعادًا سياسية، اقتصادية، أمنية ، واجتماعية معقدة. سنقوم بتحليله من مختلف الزوايا، مع استعراض الفرص، التحديات، وإمكانية تحقيقه على
أرض الواقع .
1. الأبعاد السياسية للسيناريو
أ. التوازن بين السيادة الفلسطينية والمصالح الدولية
أحد أكبر التحديات هو كيفية ضمان أن يكون هذا المشروع خاضعًا للسيادة الفلسطينية وليس مجرد أداة للنفوذ الأمريكي والإسرائيلي .
هل ستكون هناك حكومة فلسطينية مستقلة تدير المنطقة؟ أم سيتم إشراك إدارة دولية (مثل الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي) ؟
هل ستشارك إسرائيل في الإدارة الاقتصادية لغزة؟ أم ستبقى مجرد طرف مستفيد تجاريًا ؟
ما هو دور السلطة الفلسطينية وحماس في هذا المشروع؟ وهل سيتم دمجهما في نموذج حكم جديد؟
ب. المخاوف الإسرائيلية
قد يكون لدى إسرائيل تردد في الموافقة، لأن هذا المشروع قد يعني نموًا اقتصاديًا فلسطينيًا يمكن أن يزيد من نفوذ الفلسطينيين على الساحة الدولية.
إسرائيل تفضل الإبقاء على غزة ضعيفة اقتصاديًا لمنعها من أن تصبح كيانًا مستقلًا قادرًا على التفاوض بقوة.
هناك أيضًا مخاوف أمنية من أن تصبح غزة قوة اقتصادية تدعم الفصائل المسلحة بشكل غير مباشر .
ج. الموقف الأمريكي والدولي
الولايات المتحدة قد تدعم المشروع جزئيًا لأنه يوفر بديلًا عن الحلول العسكرية، ولكنها قد تحاول التحكم فيه لضمان بقاء النفوذ الإسرائيلي قويًا .
الدول الأوروبية قد تدعم الفكرة، خاصة إذا تم تقديمها كجزء من حل سياسي أوسع للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي .
الدول العربية قد تختلف مواقفها، حيث ستعتمد على ضمانات بقاء حقوق الفلسطينيين محفوظة وعدم تحوّل غزة إلى “إمارة اقتصادية بلا هوية سياسية”.
2. الأبعاد الاقتصادية للسيناريو
أ. فرص اقتصادية كبيرة
_ تحويل غزة إلى منطقة تجارة حرة مفتوحة يمكن أن يجعلها مركزًا تجاريًا إقليميًا يربط بين الشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا .
_ وجود موانئ بحرية ومطارات حديثة يمكن أن يجعل غزة مركزًا للنقل اللوجستي والتجارة الدولية.
_ يمكن أن تجذب غزة استثمارات ضخمة في قطاعات مثل التكنولوجيا، الصناعة، الخدمات المالية، والسياحة.
ب. العقبات الاقتصادية
_ كيف سيتم تمويل البنية التحتية؟ غزة تحتاج إلى استثمارات بمليارات الدولارات لتطوير الموانئ، المطارات، المناطق الصناعية، والطرق .
_ ماذا عن الضرائب والإيرادات؟ من سيدير الجمارك والضرائب والعوائد المالية؟ هل ستذهب للحكومة الفلسطينية أم لإدارة دولية ؟
_ هل سيتم فتح المجال للفلسطينيين في الشتات للاستثمار في غزة؟ وإذا نعم، كيف سيتم تنظيم ملكية الأراضي والشركات؟
ج. العلاقة الاقتصادية مع إسرائيل ومصر
إذا كانت غزة منطقة تجارة حرة، فستحتاج إلى حدود مفتوحة مع إسرائيل ومصر. هل ستقبل إسرائيل بذلك؟
هل ستصبح غزة جزءًا من الاقتصاد الإسرائيلي أم ستكون كيانًا اقتصاديًا منفصلًا؟
كيف سيؤثر هذا السيناريو على التجارة مع الضفة الغربية؟ هل سيتم تعزيز الروابط الاقتصادية أم ستبقى الضفة مفصولة اقتصاديًا؟
3. الأبعاد الأمنية للسيناريو
أ. المخاطر الأمنية المحتملة
أي مشروع اقتصادي كبير يحتاج إلى استقرار أمني، لكن غزة تعاني من نزاعات عسكرية دورية مع إسرائيل.
ما هو الضمان أن إسرائيل لن تشن هجمات مستقبلية؟ هل ستلتزم باتفاق أمني بعدم التدخل عسكريًا؟
كيف سيتم التعامل مع الفصائل المسلحة مثل حماس والجهاد الإسلامي؟ هل سيتم دمجهم في العملية الاقتصادية أم سيبقون خارجها؟
ب. هل يمكن ربط الأمن بالتنمية الاقتصادية؟
قد يكون هناك تصور بأن التحول الاقتصادي قد يقلل من دوافع العنف والمواجهات المسلحة.
إذا توفرت فرص عمل ودخل مستدام، قد تنخفض نسبة انضمام الشباب إلى الجماعات المسلحة.
مع ذلك، لا يمكن ضمان أن الفصائل المسلحة ستتوقف عن العمل العسكري لمجرد وجود اقتصاد قوي.
4. الأبعاد الاجتماعية والثقافية
أ. كيف سيتقبل الفلسطينيون هذا السيناريو؟
قد يكون هناك انقسام داخلي حول فكرة تحويل غزة إلى منطقة تجارية عالمية بدلًا من كيان سياسي مستقل.
بعض الفلسطينيين قد يرون أن هذه الخطة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال الاقتصاد.
آخرون قد يعتبرونها فرصة لتحسين الحياة المعيشية وإنهاء الحصار.
ب. تأثير الهجرة والتغيير السكاني
إذا أصبحت غزة منطقة اقتصادية مزدهرة، هل ستشهد تدفقًا سكانيًا كبيرًا؟
هل سيسمح بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى غزة؟ أم سيتم قبول عمالة أجنبية فقط؟
هل سيؤدي هذا إلى زيادة الفجوة بين الفقراء والأغنياء داخل المجتمع الفلسطيني؟
5. هل هذا السيناريو عملي؟
_ نقاط القوة التي قد تجعله ناجحًا:
بديل عن الاحتلال والتهجير القسري: يوفر طريقة للخروج من الصراع دون انتهاك حقوق الفلسطينيين.
إمكانية تحقيق تنمية اقتصادية كبيرة: غزة قد تصبح نموذجًا اقتصاديًا جديدًا مثل دبي أو هونغ كونغ.
دعم دولي محتمل: بعض الدول قد ترى فيه فرصة لتعزيز الاستقرار في المنطقة.
_ نقاط الضعف التي قد تفشل المشروع:
غياب توافق سياسي فلسطيني: لا يمكن تطبيق الخطة إذا لم يكن هناك قبول داخلي واسع.
الرفض الإسرائيلي المحتمل: إسرائيل قد تضع عراقيل لمنع نجاح هذا المشروع.
المخاطر الأمنية: استمرار المواجهات العسكرية قد يجعل الاستثمار غير آمن.
إمكانية تحوّل غزة إلى كيان اقتصادي بلا هوية سياسية: الخوف من أن تصبح غزة “دولة شركات” بدلًا من دولة فلسطينية ذات سيادة.
النتيجة النهائية: هل هو حل قابل للتطبيق؟
_ إذا تم تصميم هذا السيناريو بطريقة تضمن بقاء الفلسطينيين أصحاب القرار، فقد يكون خيارًا جيدًا لإنهاء الحصار وتعزيز الاستقلال الاقتصادي.
_ لكن إذا كان الهدف هو فرض نموذج اقتصادي دون سيادة سياسية حقيقية، فقد يتحوّل إلى “استعمار اقتصادي جديد” بدلًا من حل حقيقي للقضية الفلسطينية.
لذلك، نجاح هذا السيناريو يعتمد بالكامل على كيفية تصميمه، ومن سيديره، وكيف سيتم ضمان الحقوق الفلسطينية داخله.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا يتمحور حول : مالسيناريو الفلسطيني العربي الاسلامي البديل ؟!